الأحد، أبريل 28

*"ما هي التحولات الاجتماعية في أمريكا التي جعلتها مهيأة لظاهرة ترامب."

قبل الاسترسال في بيان ما يجري الآن في أمريكا، لا بد من الإشارة إلى أن كثيرًا من المفكرين، والباحثين، وخبراء علم الاجتماع والتاريخ، قد استشرفوا حصول أزمة كبيرة في أمريكا تؤدي إلى انكماشها، أو تفككها، أو على الأقل انحسار نفوذها، وتوقعوا أن يحصل ذلك تحديدًا بين ٢٠٢٠م و ٢٠٢٥م.
‏ومعظم هؤلاء لهم سابق تجربة تدل على صدق استشرافهم من خلال قراءة لتاريخ، ومعرفة واقع الدول.
"إيمانويل تود" الفيلسوف الفرنسي و"يوهان جالتونج" عالم الاجتماع النرويجي توقعا سقوط الاتحاد السوفيتي، وحددا السقوط في سنة ١٩٩٠ وصدق التوقع، وكلاهما يتوقع انحسار النفوذ الأمريكي حوالي ٢٠٢٠م.
‏المحلل السياسي "غور فيدال" فكان أكثر تحديدًا في وصف سيناريو السقوط، وتوقع منذ عشر سنوات تنامي موجهة الشعبوية وعجز العقلاء عن كبح جماح هذا الجنون الشعبوي، مما سيدفع برئيس ديماغوجي نرجسي لرأس السلطة، ثم يسوق البلد إلى الديكتاتورية، فيحدث انقسامًا وصدامًا خطيرًا في المجتمع الأمريكي.
‏وصدق توقع "فيدال"، فقد تنامت الشعبوية، ونجحت في تنصيب أقوى أنموذجًا لهذه الشعبوية، ترامب الذي أجاد استخدام الخطاب الشعبوي في تجاوز الخطوط الحمراء في المجتمع الديموقراطي، تلك التي لم يتمكن أحد قبله من كسرها، كاستخدامه الخطاب العنصري، وتهكمه بمؤسسات الدولة، والاستخفاف بالقضاء نفسه.
‏ومما صدم الكثير من المراقبين والباحثين، سرعة وضخامة الانقسام في المجتمع الأمريكي.
إذ كان المجتمع إلى عهد قريب يؤمن بالخلاف وتعدد الآراء، فكل طرف ينظر للآخر بصفته مجتهد حسن النية.
أما الآن، فكل تيار ينظر للآخر بأنه مجرم خائن يضر أمريكا بتصرفاته، ويجب أن يقف عند حده.
‏يتهم المعارضون لترامب وقاعدته الشعبية بأنهم يريدون دفع أمريكا إلى ديكتاتورية شرسة على طريقة هتلر، والمؤيدون له يتهمون مخالفينهم بأنهم شركاء في الجرائم التي تجري في أمريكا على يد الأجانب، وأنهم يفرطون بأمن أمريكا وقوتها، متذرعين بالحرية والقانون وحقوق الإنسان.
‏هذا الانقسام واضح في استقطاب واجهات الإعلام سواءً كانت صحف، أو إذاعات، أو قنوات تلفزيونية، أما مواقع التواصل فتزخر بلغة أعنف وأكثر صراحة في التجريم والتخوين، لأنها أقل عرضة للضوابط القانونية.
إذ ينصدم المتابع لليمين الأمريكي في تويتر من خشونة اللغة وتجاوزها كل الحدود.
‏ويؤكد من يعيش في أمريكا وجود هذا الانقسام حتى على مستوى الحياة الواقعية، ففي بعض الولايات والمناطق والمدن التي تدعم ترامب بقوة، يكاد يستحيل التصريح بانتقاد ترامب أمامهم، لأن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة تشمل العراك والأذى الجسدي، والعكس صحيح في المناطق التي ترفض ترامب.
‏وبغض النظر عن تفاصيل مشاكل ترامب، فإن نفس المفكرين الذين استشرفوا ما يجري، يؤكدون أن زخم التغيير الاجتماعي وموجة الشعبوية لن يمكن إيقافها، ولا إيقاف تداعياتها، ولا السيطرة عليها بالمؤسسات الأمريكية، وستكون أقوى بكثير من اهتمام العقلاء، سواءً كانوا في المؤسسات الأمريكية أو خارجها.
‏يعترض باحثون آخرون بأن أمريكا قوة متفوقة على كل دول العالم عسكريًا واقتصاديًا وعلميًا وتقنيًا، فاقتصادها ثلث الاقتصاد العالمي، وجامعاتها أفضل جامعات العالم، وشركاتها أضخم الشركات، ومعظم التقنية تنطلق منها، فكيف بدولة تحظى بكل هذا التفوق في القوة العسكرية والقوة الناعمة أن تنهار؟
‏ويرد المستشرفون للسقوط بأن هذه القوى تنفع في منع الخطر الخارجي، لكنها مشلولة تمامًا أمام الخطر الداخلي، بل ربما تساهم فيه بسبب انحياز بعضها لتيار ضد الآخر، فالجيش والـ FBI والـ CIA والجامعات والشركات عرضة للانحياز، بل وحتى قوى الشرطة المحلية في الولايات المختلفة.
‏كما يعترض آخرون بأن المؤسسات الأمريكية مثل الكونغرس والمحكمة العليا قوية تستطيع أن ترشّد أي خلاف، أو تمنع تطوره لمستوى يسبب ضررًا على أمريكا، ويرد الآخرون عليهم بأن الكونغرس والمحكمة العليا لم تتمكن من منع الحرب الأهلية في أمريكا التي استمرت أربع سنوات، وقتل فيها ٦٠٠ ألف شخص.

‏لمن يريد المزيد من الاطلاع
ايمانويل تود: "كتاب ما بعد الامبراطورية"
https://t.co/RRw8v6Z42V‎
غور فيدال: "أمريكا تتحول إلى دكتاتورية عسكرية"
https://t.co/weHYMI9Z6h‎
يوهان جالتونج: "أمريكا تنهار في ٢٠٢٠م على يد ترامب"
https://t.co/uet8OVYIiy

‏ مقال جدير بالقراءة..
مصدر المقال:
https://twitter.com/m_bina7mad/status

الأربعاء، ديسمبر 19

*إدارة التغيير بين الهواية والاحترام*


د.عبدالله بن موسى الطاير

يحدث الانتحار السياسي عندما يسند تخطيط وتنفيذ عمليات التحول الوطني إلى مجموعة من الهواة أو إلى شركات أجنبية متخصصة في الدراسات الاقتصادية غاية منجزاتها وضع تصورات التحول ومتابعة تنفيذها للشركات والمنظمات وليس البلدان. ومن أغرب ما يقال في هذا السياق أن يتعلم عراب التحول الاجتماعي مبادئ الاستراتيجيا أول النهار ويطبقها آخره في خطط معقدة لإعادة هندسة المجتمع.

إن التحول الاجتماعي يحدث تغييرات عميقة في نمط الإنتاج وأسلوب الحياة، ويقود إلى متغيرات هيكلية في الاقتصاد والثقافة والسياسة والمجتمع ثم يفضي في نهاية المطاف إلى تحولات في طبيعة السلطة السياسية. أي أن من يزعم أنه يمكن أن يحدث تحولاً اجتماعيًّا دون الانتهاء بتغيير في طبيعة النظام السياسي هو جاهل بمقتضيات التحول في تاريخ الدول والأمم.

عندما تبدأ أولى خطوات التحول الوطني فعلى المخطط أن يتوقع حدوث التوتر بين الفئات الاجتماعية، فظهور قيادات جديدة، ونخب طارئة تريد فرض وجودها هو أحد متطلبات التحول ولكنه يعرّض الجماعات القائمة للتهديد، ويحفز المهمشين والوصوليين لانتهاز كل الفرص الممكنة للقفز إلى قمرة التغيير، ونتيجة لذلك يحتدم الصراع بين الطبقات والفئات الاجتماعية، وفي حالة غياب السيناريوهات البديلة المعدة لامتصاص النتائج غير المرغوبة فإن المجتمعات التي تعبر منعطفات التحول تتعثر وتنشغل بخلافاتها بدلا من مواصلة عملياتها.

عندما تخلق عمليات التحول في البلدان الديمقراطية فاعلين جدد، وتؤسس لصراع بين النخب الحالية، والطامحة لمزيد من الأدوار فإنها تأخذ الحراك إلى المزيد من المشاركة السياسية، وبذلك تتيح قنوات شرعية للمنافسة وتفريغ الاحتقان ويفرز النظام الاجتماعي حلولا تنقذ عملية التحول الجارية. بيد أن المرونة التي تتمتع بها الأنظمة الديمقراطية لا تتوفر لغيرها من الأنظمة، ولذلك فقد رأينا كيف تدرجت الصين وروسيا في عملية التحول؛ حيث مكنتهما الخبرة الضخمة والفرق الاحترافية التي هيأتاهما لإدارة عملية التحول من رصد التفاعلات السلبية، والتدخل في الوقت المناسب للحيلولة دون فرض التحولات في المجتمع والاقتصاد والثقافة استحقاقات جوهرية في طبيعة النظام السياسي. وبقدر تقييد الصين، مثلا، التغيير الاجتماعي والثقافي، أطلقت التحول الاقتصادي نحو السوق المفتوح. ومن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الصين لضبط التحول في المجالين الاجتماعي والثقافي أنها لم تسمح للعولمة بأن تشكل أنساقها الاجتماعية والثقافية، فعملت على عزل المجتمع الصيني عن شبكات التواصل الاجتماعي التي تعد أهم أدوات ووسائل الهيمنة الثقافية وطريقة الحياة الغربية. فالصين بالقدر الذي توسعت فيه في تعليم اللغة الإنجليزية فإنها رسخت لغاتها الوطنية وحمتها من أي تأثير خارجي يمكن أن يهدد هويتها، وكذلك فعلت مع معتقداتها البوذية وعقيدتها الاشتراكية.

التجربة الصينية في التحول قامت على عقول صينية وعلى تزاوج بين العلم والخبرة، ولم تقم على إقصاء النخب لبعضها ولا على أكتاف متسلقين لم يسجل لهم إنجاز يذكر، كما أن الصين لم تسلّم تشكيل مصيرها للشركات الاستشارية الغربية، وبذلك ضمنت أن التحول لن يؤدي إلى مشاركة سياسية أوسع ولا إلى تغيير في النظام السياسي القائم باتجاه النمط الغربي في الحكم، وإنما قادها التحول المنضبط إلى رئاسة مدى الحياة لتحافظ على الاستقرار والنمو.

حجم التحول الذي يمر به المجتمع السعودي لافتٌ، ونتائجه ستكون عميقة وذات تأثير في المستقبل على جميع الأصعدة، ولذلك فإنني أسأل: كم من العلماء والباحثين السعوديين شاركوا في التخطيط لهذا التحول ومراقبة تفاعلاته ورصد مداه وتوقع مآلاته؟ وبلغة قابلة للقياس: كم نسبة المدخلات المحلية إلى غيرها؟ وهل الفجوة العمرية في إدارة التغيير حقيقية أم هي مجرد احتكاك طبيعي بين طبقتين من طبقات المجتمع تتفاعلان في بوتقة التحولات؟ وهل هناك فريق أو جهاز وطني يتمتع بالعلم والخبرة والتجربة والحكمة يرصد عملية التحول ويدرس ارتداداتها، كما فعلت الصين، أم أن الأمر متروك للصدف والظروف، مما قد يجعل التغيير والتحول -لا سمح الله- وبالاً على استقرار بلادنا بعد عقد أو عقدين؟

http://www.al-jazirah.com/2018/20181210/du5.htm

السبت، نوفمبر 24

أردوغان.. وقميص جمال..!!


بقلم /خالد الرمالي
رئيس مركز طائر السلام للدراسات
استاذ التحليل السياسي
@kalshamari33
ksashamari@gmail.com

من خلال القراءة الدقيقة للاحداث في أزمة مقتل (جمال خاشقجي - رحمة الله علية) واطرافها وبالذات (المملكة العربية السعودية- وتركيا) يجد القارئ ان الرئيس التركي رجب  اردوغان (العصملي) عمل على إستثمار مقتل خاشقجي وبشكل فظيع في محاولة لاسقاط الهيبة و الزعامة السعودية للعالم الاسلامي والعربي.. وتقديم نفسه على انه البديل المناسب لتلك الزعامة  فالمتتبع لخطاباته يجد انها تضمنت طموح عودة الخلافة للعالم الاسلامي حتى انه ذكر بالنص:( ان المسلمين متعطشين لعودة الخلافة العثمانية) كما نجد كثير من زعامات الاخوان المسلمين وعلى رأسها القرضاوي تشير الى اردوغان بالخليفة.

الهدف الاخر هو  سعي اردوغان الجاد عند الغرب  لاستثمار مقتل خاشقجي ليضع حجر الزاوية في كونه الحليف البديل الديمقراطي الجيد الذي يمكن للغرب وخصوصا امريكا الاعتماد عليه في الشرق الاوسط الجديد..؟!

القيادة السعودية منذ بدأ الازمة ادركت تماما اهداف اردوغان لكن سياسة التهدئة والصمت السعودي الحالي تجاة قيام اردوغان بتجييش الرأي العام العالمي (بشكل لم يسبق له مثيل) ضد المملكة اضافة الى سعيه لتدويل القضية لم يكن ضعف في سياسة المملكة بقدر ما نم عن حكمة وطول بال سعيا الى  عدم الرغبة في التصعيد مع التركي حاليا لكي لايستفز ومن ثم ينشط اكثر واكثر في خلق وابتكار وتوجية الاتهامات والاساءات اضافة لفتح ملفات صراع مع المملكة هي بغنى عنها في الوقت الحالي.

اذا الحكمة اقتضت الانتظار  لحين اقفال ملف قضية خاشقجي وهو ما يحدث الان وفي نفس الوقت لن تنسى المملكة مخططه التآمري واساءته لشخص ولي العهد سمو الامير محمد بن سلمان .
لقد ثبت بما لايدعو للشك ان مخطط اردوغان اخطر بكثير من المخطط التآمري الايراني الصفوي فهو مصنف على  ذات المذهب السني للغالبية العظمى من مسلمي العالم وله قبول لدى الغرب ويمتلك اكبر علاقات مميزة مع الكيان الصهيوني ، وثبت ان تركيا وقطر التقت مصالحهما على تشكيل تحالف يهدد امن بلاد الحرمين على المستوى الداخلي والخارجي ..!!

فقطر وتركيا تدعم الحوثيين عيانا بيانا فهاهي اخبار مظاهرات الحوثيين امام السفارة السعودية بأسطنبول تنقل على شاشات التلفزة ووكالات الانباء الدولية، كما قامت الحكومة التركية بأعطاءهم منصة اعلامية تحت شركة البيرق الاعلامية (التركية- القطرية) لتنظيم جهودهم الحربية والنفسية ضد كل ماهو سعودي.

أما الدعم المادي القطري للحوثيين كان أثناء وجودهم مع التحالف العربي، واخرها ماصرح به مؤخرا وزير الاعلام الحوثي المنشق من معلومات استخبارية من ان  الصواريخ الحوثية التي تسقط على السعودية تم شرائها  بأموال قطرية دفعت لايران ولولا تلك الاموال لما استطاعت ايران امداد الحوثيين بتلك الصواريخ..!!

اذا الخط التآمري (القطري-التركي) يريد تغيير وضع المملكة ومكانتها العالمية والاسلامية والعربية بذريعة قميص خاشقجي، و زعزعة استقرارها بكافة الوسائل والطرق..!! لاشك ان سقوط الاخوان في مصر تسبب ذلك في تأخير المشروع وارباكة ولكن دون شطبه..!! واليوم  نحن مدركين تماما اننا في مواجهة خلاف وصراع يجب ان نعد له اعدادا كبيرا وبالادوات والاشخاص ذوي الكفاءات العالية والنفس الطويل العميق.

في المقابل مالذي يجب علينا فعله داخليا ..؟!
اولا واخيرا الوقوف صفا واحدا خلف قيادتنا السعودية
والحذاري الحذاري من أي مساس بالحمة الوطنية.

ثانيا: اثبتت ازمة خاشقجي انه لايوجد لدينا اعلام يرقى لمستوى مواجهة الازمات والمؤمرات التي تحاك ضد الوطن.
لذا بعد ازمة خاشقجي لا بد ان يتم اعادة غربلة و هيكلة الاعلام السعودي والقائمين عليه .

(وللحديث بقية)

الاثنين، أكتوبر 22

قضية الخاشقجي.. إلى أين


بقلم/منير شفيق 

قبل الخوض، أو المخاطرة، في التعرض لقضية الخاشقجي، ولا سيما، في الاتجاه أو الاتجاهات التي يمكن أن تتخذه في القابل من الأيام، يجدر المرور سريعاً بإعلان حكومة نتنياهو تأجيل تنفيذ قرار اقتلاع أهالي الخان الأحمر إلى أجل غير مسمى. وهو القرار الذي سبق واتخذته حكومة نتنياهو، ودعمه قرار من المحكمة الصهيونية العليا بتنفيذه.

وبالفعل، حشدت حكومة نتنياهو ما تحتاج إليه من آليات لهدم مساكن أهلنا في الخان الأحمر وإزالتها، لتتم عملية اقتلاعهم بالقوة من المكان ومصادرته لمصلحة ما تسميه القدس الكبرى، أي استيطانه وتهويده، وحشدت كذلك القوات العسكرية التي تهيأت لاقتحام الخان الأحمر وتنفيذ القرار بالقوة الباطشة.

على أن ما حدث من الجانب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية أن تدفق العشرات بل المئات للاعتصام مع الأبطال من أهالي الخان الأحمر، بالرغم من صغر المكان وتواضع عدد أهله. وقد دامت هذه المواجهة بضعة أسابيع، والأهم أن جماهير القدس والضفة الغربية كانت تغلي من الغضب وترسل الإشارات بإطلاق انتفاضة، أو ما يشبهها، إذا ما وقعت المواجهة وطبق العدو تهديده باقتحام الخان الأحمر.

ولهذا، وفضلاً عن انضمام قوى دولية من الرأي العام ضد هذا الإجراء الذي يُعتبر "جريمة حرب"، اضطر العدو أمام الخوف من انتفاضة شعبية وتعاطف عالمي؛ لأن يتراجع عن قراره ويؤجله إلى أجل غير مسمى، مما يؤكد مرة أخرى أن موازين القوى لم تعد في مصلحته إذا ما واجه انتفاضة شعبية شاملة. فقد واجه فشلاً أمام انتفاضة مسيرة العودة الكبرى، وأمام رفع قواعد الاشتباك إلى مستوى صاروخ مقابل صاروخ، والتجرؤ على إطلاق طائرات وبالونات اللهب يومياً على مدى خمسة أشهر ويزيد، كما واجه الفشل في تموز/ يوليو 2017، أمام انتفاضة القدس العظيمة التي أطاحت بمشروع الأبواب الالكترونية خلال 12 يوماً من المواجهات.

فهل من قراءة جديدة لمعادلة الصراع؟

أما قضية جمال خاشقجي الذي دخل إلى القنصلية السعودية في إسطنبول لإجراء "معاملة" شخصية ولم يخرج منها حياً ماشياً على قدميه، مما نجم عن ذلك من حملات عالمية لا مثيل لها، بسبب ما تسرب من أخبار حول قتله وتقطيعه في القنصلية، وإخفاء جثته أو أشلائه. وكان أول دليل على ذلك تصويره داخلاً إلى السفارة، وعدم خروجه منها مصوراً كما دخل. وعندما أعلنت السعودية أنه خرج من السفارة، لم تستطع تقديم أي دليل على ذلك، ولم تعزز ذلك أيضاً آلات التصوير التركية المنصوبة علناً خارج أبواب القنصلية، كما فعلت في أثناء دخوله.

ومن هنا بدأت تكبر الحملات الإعلامية حول قضية جمال خاشقجي الصحفي المعروف، وذي الصلة السابقة بالمخابرات السعودية والداعم للسياسات السعودية في مواقفه ومقالاته، حتى تولي الملك سلمان للسلطة وتعيين محمد بن سلمان ولياً للعرش ووريثاً له.

إن أول ما تتوجب ملاحظته تتمثل في ردود الفعل الإعلامية والسياسية والاهتمام الرسمي والشعبي الإقليميين والدوليين. وقد وصلت ردود الفعل هذه إلى مستويات لم يسبق لها مثيل في حالات مشابهة، من خطف أو قتل أو تعذيب لمعارضين سياسيين، ربما كان بعضهم أهم بكثير من جمال خاشقجي، وذلك باعتبارهم زعماء شعبيين كبار، الأمر الذي يؤكد أن عالمنا الراهن يختلف عما سبقه من عوالم، وذلك بسبب فقدانه لمعادلة سيطرة دولية، كما كان الحال في مرحلة الحرب الباردة أو حتى بعدها بعقدين. فعالم اليوم الذي راحت قضية خاشقجي تسهم في كشف بعض سماته، هو عالم بلا نظام عالمي، متعدد القوى الدولية والإقليمية، وبإعلام منفلت، وبألوان اتصال على الإنترنت في متناول جميع الدول والأحزاب والجماعات والأفراد، وبحالة فوضى عارمة تتجاوز وكالات الأنباء الكبرى المسيطر عليها. لهذا، لا يمكن تفسير ما حظيت به قضية الخاشقجي من إعلام واهتمام دولي وشعبي بوجود "مايسترو" (قائد فرقة موسيقية)، أو مؤامرة دولية مدبرة، أو حالة مسيطراً عليها. إنها قضية أصبحت خارج السيطرة، وخارج اللفلفة، أو تمرير اللفلفة إلاّ بفضائح جديدة متولدة كالفطر.

فكل من حاول إخراجاً للقضية وجد نفسه وسط ورطة جديدة، ومعرضاً لضغوط سياسية تفرض عليه التبرؤ أو التراجع. وقد انطبق هذا مثلاً، وبالدرجة الأولى، على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فمنذ اللحظة الأولى، أو منذ تغريدته الأولى حتى اليوم، راح يتخبط وينتقل من ورطة إلى ورطة. فهو الذي أقنع ولي العهد محمد بن سلمان الممسك بالسلطة في السعودية، أن يعلن بأن القتل حدث عفوياً بسبب مشاجرة، وبأن يتهم ثمانية عشر رجلاً بالحادث دون علمه، ومن ثم يضعهم تحت التحقيق، ومنهم كبير مستشاريه وعدد من قادة الأجهزة الأمنية النافذين، وإذا بترامب الذي اعتبر الخطوة إيجابية جداً، بادئ ذي بدء. عاد ليعتبرها غير كافية، وذلك تحت ضغط الرأي العام الأمريكي المقبل الشهر القادم على انتخابات، كما تحت ضغط الزعماء الجمهوريين في الكونغرس. وقد اتفقوا مع الزعماء الديمقراطيين فيه على الذهاب بالقضية إلى حد التلويح باتهام محمد بن سلمان، وإنزال عقوبات بالسعودية.

فكل حل ينزل عن سقف اتهام محمد بن سلمان سيُصدم بمعارضة الجمهوريين والديمقراطيين المتحدين في الكونغرس، ويُعتبر تغطية له. وهنا لا يستطيع دونالد ترامب إلاّ أن يخضع للطرفين حين يتحدان، كما لا يستطيع أن يذهب إلى الانتخابات ليخسرها الجمهوريون في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. فتغطية القضية أصبحت بسبب ما وصلته من رأي عام أمريكي وعالمي، وبسبب المواقف الرسمية المعلنة أوروبياً، بل بسبب موقف ترامب نفسه الذي ألمح إلى أن ثبوت التهمة على محمد بن سلمان "سيكون الأمر سيئاً للغاية".

هذا يعني أن محمد بن سلمان ووالده الملك سيواجهان القرار الصعب؛ حين يصبح الإفلات من مسؤولية محمد بن سلمان غير ممكن. ويصبح ترامب مضطراً للجوء إلى العقوبات، ولا سيما إذا لم تستطع تركيا تمديد إعلان نتائج ما قامت به من تحقيق إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية. ولأن لفلفة القضية بالنسبة إلى ترامب والسعودية غير ممكنة ما لم يُكشف عن مكان الجثة، ويا للهول إذا كانت مقطعة فعلاً، فالمتهمون الذين أعلن عنهم في السعودية هم الذين أخفوا الجثة، فلا يمكن الإدعاء بأنهم لا يعلمون.

حقاً لقد "أفلت المدق" كما يقول المثل، بسبب حال الوضع العالمي الراهن، بالنسبة إلى قضية جمال الخاشقجي. وأصبحت لفلفتها الآن في منتهى التعقيد والصعوبة، لا سيما بالنسبة إلى الغرب كله، وفي أخص الخصوص إلى أمريكا نفسها، فالوضع الأمريكي- الغربي، دولاً وإعلاماً ورأياً عاماً وأحزاباً، ذهب بعيداً في التعاطي مع هذه الجريمة، وأصبح أسيراً لما ذهب إليه مدىً ومستوى، مما جعل مستقبل محمد بن سلمان بين يديه، ومن ثم أصبح غير قادر أمام ما ذهب إليه من مدى ومستوى على لفلفة الموضوع دون المساس بولي العهد محمد بن سلمان.

ولهذا، يبدو أن لا إفلات له إلاّ من خلال الانقلاب إلى العالم المقابل، لا سيما روسيا والصين، وحتى تركيا وإيران. وهو العالم الذي تعاطى ساسته مع القضية أصلاً، ومن أساسها، تعاطياً مختلفاً نوعياً عن تعاطي أمريكا والغرب معها، ساسة وإعلاماً وتدخلاً. فمنجاة محمد بن سلمان الوحيدة إن أراد أن "ينجو" هو بإحداث هذا الانقلاب، وثمة إشارات أولية من روسيا والصين وتركيا على انتظار هذا الحدث؛ الحدث البعيد من أي تصور أو توقع بسبب طبيعة النظام السعودي الراهن، وعلاقته بأمريكا، ولا سيما محمد بن سلمان نفسه. إنه القرار الصعب، إما القبول بالتنحي، والله أعلم بالمصير بعده، وإما الذهاب إلى الانقلاب الصعب عليه بالقدر نفسه وأكثر. والتجربة مع الحكام عادة هي الذهاب إلى الخيار الثاني ما دام ممكناً وقائماً، وليس إلى التنحي الذي يعني النهاية. فعلى سبيل المثال، هذا ما فعله السلطان محمود الثاني إذ أدخل الروس إلى الآستانة لحمايته، وكانوا من ألدّ أعدائه، ولم يستسلم لمحمد علي الكبير الذي كان محاصِراً للآستانة، وكانت أوروبا مترددة في نصرته، أو غير جاهزة لردع جيش ابراهيم باشا، كما حدث لاحقاً بعد التدخل الروسي.

طبعاً، ذلكم هو ثمن الارتهان الكامل على أمريكا، ولا سيما على قيادة من نمط قيادة ترامب، ومن دون إبقاء أي طريق للتراجع، وذلك حين يصبح الخيار بين الانتحار والتراجع.